کد مطلب:168053 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:245

نظریة الاصل غیر العربی (الاصل الدینی)
وقال الدكتور مصطفی جواد فی موضوع كتبه تحت عنوان (كربلاءقدیماً) فی موسوعة العتبات المقدّسة:

(.. وذكر السیّد العلاّمة هبة الدین الشهرستانی أنّ (كربلاء)منحوتة من كلمتی (كور بابل) بمعنی مجموعة قُری بابلیة. [1] .

وقال الاب اللغوی أنستاس الكرملی: (والذی نتذكره فیما قرأناه فی بعض كتب الباحثین أنّ كربلاء منحوتة من كلمتین: من(كربل) و(إل) أی حرم اللّه أو مقدس اللّه. [2] .

قلنا: إنّ رجع الاعلام الاعجمیة إلی أصول عربیة كان دیدناً لعلماء اللغة العربیة منذ القدیم، فقلّما اعترفوا بأنّ علماً من الاعلام أصله أعجمی، دون أسماء الجنس فإنهم اعترفوا بعجمتها وسمّوها (المعرّبات)، لانّ الذین یعرفون اللغة الفارسیة كثیر، ولانهم یدرون أصول المعرّبات علی التحقیق والتأكید.

وكان الذی یسهّل علیهم اجتیال الاعلام وغیرها إلی اللغة العربیة كونها مشابهة وموازنة لكلمات عربیة، كما مرَّ فی (كربلا) والكربلة، والكربل، فهم قالوا بعروبة تلك الاعلام الاعجمیة ثمّ حاروا فی تخریجها اللغوی فبعثهم ذلك علی التكلّف! كما فعلوا فی كربلاء وغیرها من الاعلام الاعجمیة.


وأنا أری محاولة یاقوت الحموی ردّ (كربلاء) إلی الاصول العربیة غیر مجدیة ولایصحّ الاعتماد علیها! لانها من بابة الظنّ والتخمین، والرغبة الجامحة العارمة فی إرادة جعل العربیة مصدراً لسائر أسماء الامكنة والبقاع! مع أنّ موقع كربلاء خارج عن جزیرة العرب، وأنّ فی العراق كثیراً من البلدان لیست أسماؤها عربیة كبغداد وصرورا، وجوخا، وبابل، وكوش، وبعقوبا، وأنّ التأریخ لم ینصّ علی عروبة إسم (كربلاء) فقد كانت معروفة قبل الفتح العربی للعراق، وقبل سكنی العرب هناك، وقد ذكرها بعض العرب الذین رافقوا خالد بن الولید القائد العربی المشهور فی غزوته لغربیّ العراق سنة 12 هجریة / 634 م.قال یاقوت الحموی: (ونزل خالد عند فتحه الحیرة كربلاء، فشكا إلیه عبداللّه بن وشیمة النصری [3] الذبّان،فقال رجل من أشجع فی ذلك:



لقد حُبسَتْ فی كربلاء مطیّتی

وفی العین [4] حتی عادغثّاً سمینا



إذا رحلتْ من منزل رجعتْ له

لعمری وأیْها إنّنی لاُهینها



ویمنعها من ماء كلّ شریعة

رفاقٌ من الذُّبانِ زُرقٌ عیونها



ومن أقدم الشعر الذی ذكرت فیه كربلاء قول معن بن أَوْس المزنی من مخضرمی الجاهلیة والاسلام، وعمَّرَ حتیْ أدرك عصر عبداللّه بن الزبیر وصار مصاحباً له! وقد كُفَّ بصره فی آخر عمره. وذكر یاقوت الحموی هذا الشعر فی


(النوائح) من معجمه للبلدان.. وذكره قبله أبوالفرج الاصبهانی فی ترجمة معن من الاغانی (12:63 / دار الكتاب) وقال وهی قصیدة طویلة:



إذا هی حلّت كربلاءَ فلعلعاً

فجوز العذیب دونها فالنوائحا



وقال الطبری فی حوادث سنة 12: (وخرج خالد بن الولید [5] فی عمل عیاض ابن غنم لیقضی ما بینه وبینه ولاغاثته فسلك الفلّوجة حتی نزل بكربلاء وعلی مسلحتها عاصم بن عمرو... وأقام خالد علی كربلاء أیّاماً، وشكا إلیه عبداللّه بن وثیمة الذباب،فقال له خالد: إصبر فإنّی إنّما أرید أن أستفرغ المسالح التی أمر بها عیاض فنُسكنها العرب فتأمن جنود المسلمین أن یُؤتَوا من خلفهم وتجیئنا العرب آمنة غیر متعتعة، وبذلك أمرنا الخلیفة و رأیه یعدل نجدة الامّة. وقال رجل من أشجع فیما شكا ابن وثیمة:

لقد حُبست فی كربلاء مطیّتی..). [6] الابیات

وقال یاقوت الحموی فی كلامه علی الكوفة: (.. ثمّ توجّه سعد نحو المدائن إلی یزدجرد، وقدَّم خالد بن عرفطة [7] حلیف بنی زهرة بن كلاب، فلم یقدر علیه


سعد حتّی فتح خالد ساباط المدائن، ثم توجّه إلی المدائن فلم یجد معابر فدلّوه علی مخاضة عند قریة الصیّادین أسفل المدائن فأخاضوها الخیل حتی عبروا، وهرب یزدجرد إلی اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبی أهلها، فقسّمها سعد بین أصحابه...). [8] .

ولقائلٍ أن یقول: إنّ العرب أوطنوا تلك البقاع قبل الفتح العربی، فدولة المناذرة بالحیرة ونواحیها كانت معاصرة للدولة الساسانیة الفارسیة وفی حمایتها وخدمتها. والجواب: أنّ المؤرّخین لم یذكروا لهم إنشاء قریة سمّیت بهذا الاسم أعنی كربلاء، غیر أنَّ وزن كربلاء أُلحق بالاوزان العربیة،ونُقل (فَعْلَلا) إلی (فَعْلَلاء) فی الشعر حَسْبُ... [9] .

أمّا قول الاب اللغوی أنستاس ما معناه أنّ كربلامنحوتة من (كرب) و(إل) فهو داخل فی الامكان، لانّ هذه البقاع قد سكنها السامیّون، وإذا فسّرنا (كرب) بالعربیة أیضاً دلّ علی معنی (القُرب)فقد قالت العرب: (كرب یكرب كروباً: أی دنا) وقالت:(كرب فلان یفعل، وكرب أن یفعل: أی كاد یفعل، وكاد تفید القرب، قال ابن مقبل یصف ناقته:



فبعثتها تَقِصُ المقاصر بعدما

كربت حیاةُ النار للمتنوّر [10] .




وقال أبوزید الاسلمی:



سقاها ذوو الارحام سجلاً علی الظما

وقد كربت أعناقها أن تقطّعا [11] .



وإذا فسّرنا (إل) كان معناه (إلاله) عند السامیین أیضاً، ودخول تفسیر التسمیة فی الامكان لایعنی أنها التسمیّة الحقیقیة لاغیرها، لانّ اللّغة والتأریخ متعاونان دائماً فهی تؤیّده عنداحتیاجه إلیها، وهو یؤیّدها عند احتیاجها إلیه،فهل ورد فی التأریخ أنّ موضع كربلاء كان (حرم إله) قوم من الاقوام الذین سكنوا العراق؟ [12] أو مَقْدَسَ إلهٍ لهم؟ لایُجیبنا التأریخ عن ذلك! ومن الاسماء المضافة الی (إل) بابل وأربل وبابلی.

ومن العجیب أنّ لفظ (كرب) تطوّر معناه فی اللغة العبریّة!قال بعض الادباء الامریكیین: (ممّا یصوّر لنا فكرة عن سوءأُسلوب الحیاة أن نجد الكلمة العبریة (كَرَبَ Karab) ومعناها یقترب تعنی فی الوقت نفسه (یُقاتل ویحارب) ومن هنا كانت كلمة (كِراب Kerab) بمعنی معركة. [13] .

لذلك یمكن القول بتطوّر الاسم (كربلاء) من الحقیقة الی المجاز،وبذلك لایجب الالتزام بأصل معناه بل یجوز، وممّا قدّمنا یُفهم أن (كربلا) مقصور فی


الاصل، وأنّ الهمزة أُدخلت علیها لضرورة الشعر...

وعلی حسبان (كربلا) من الاسماء السامیّة الارامیة أو البابلیة،تكون القریة من القُری القدیمة الزمان كبابل وأربیل، وكیف لا وهی من ناحیة نینوی الجنوبیة.. [14] ونینوی من الاسماء الاشوریة...). [15] .

وقال الشیخ محمّد باقر المدرّس فی كتابه (مدینة الحسین (ع): (إنّ كربلاء تلخّصت من كلمتین فی لغة الارامیین، وهما (كرب) بمعنی معبد أو الحرم، و(إیلا) بمعنی آلهة، فالمعنی: حرم الالهة!). [16] .

ثم یقول الشیخ المدرّس: (لو أننا رجعنا إلی تأریخ هذا المدینة إلی عهد البابلیین لوجدنا لها إسماً وأثراً! لانّه بناءً علی ما قاله المستشرق الفرنسی ماسینسیون فی كتابه: خطط الكوفة / ترجمة تقی المصعبی إنّ كربلاء كانت معبد الكلدانیین الذین كانوا یقطنون فی مدینة نینوی والعقر البابلی، وكلاهما كان بقرب كور كربلاء). [17] .



[1] نقلاً عن كتاب نهضة الحسين (ع): 6 / مطبعة دار السلام ببغداد /1345 ه‍.ق.

[2] نقلاً عن كتاب لغة العرب: 5:178 / 1927 م.

[3] في معجم البلدان: 4: 445 (البصري) وليس (النصري) / وقال الدكتور مصطفي جواد في الحاشية: (أو النضري، و في الاصل من طبعة مصر (البصري) وهو محال، لانّ البصرة لم تكن يومئذٍ قد مُصِّرَتْ، ولانّ العربا لقدامي في القرن الاوّل والقرن الثاني لم يكونوا ينتسبون إلي المدن والاقطار بل إلي الاباء والقبائل والافخاذ والعمارات والبطون، أمّا غير العرب فجائز فيهم كما سرجويه البصري الطبيب (مختصر الدول لابن العبري ص 192).

[4] يعني عين التمر، المعروف حصنها اليوم بالاخيضر.

[5] في المصدر: خالد فقط وليس خالد بن الوليد.

[6] راجع: تأريخ الطبري: 2:574.

[7] كان خالد بن عرفطة هذا من قيادات جيش عمر بن سعد لقتال الحسين، ففي كتاب بصائر الدرجات بسندٍ عن سويد بن غفلة قال: (أنا عند أميرالمؤمنين إذ أتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، جئتك من وادي القري، وقد مات خالد بن عرفطة! فقال له أميرالمؤمنين: إنّه لم يمت! فأعادها عليه:فقال له عليُّ: لم يمتْ والذي نفسي بيده لايموت! فأعادها عليه الثالثة فقال: سبحان اللّه أُخبرك أنّه مات وتقول لم يمت!؟ فقال له عليُّ: لم يمت والذي نفسي بيده، لايموت حتّيْ يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جمّاز!.قال فسمع بذلك حبيب، فأتي أميرالمؤمنين فقال له: أُناشدكَ فيَّ وإنّي لك شيعة، وقد ذكرتني بأمرلاواللّه ما أعرفه من نفسي! فقال له عليُّ: إنْ كنتَ حبيب بن جمّازفتحملنّها! فولّي حبيب بن جمّاز وقال: إنْ كنت حبيب بن جمّازلتحملنّها!! قال أبوحمزة: فواللّه مامات حتّي بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن عليّ، وجعل خالد بن عرفطة علي مقدّمته، وحبيب صاحب رايته!). (راجع: بحار الانوار:44: 259-260 باب 31،حديث رقم 11).

[8] راجع: معجم البلدان: 4:419.

[9] أي: في الشعر فقط.

[10] أي قرب انطفاؤها، راجع: مادة (قصر) من الصحاح.

[11] راجع: الكامل للمبرد: 1:128 / طبعة الدلجموني الازهري.

[12] لعلّ إسم (كربلاء) بمعني (حرم الاله) كان قد اُطلق علي هذا الموضع في إحدي اللغات القديمة (غير العربية) بواسطة أحدالانبياء الماضين (ع) من باب الاخبار بما سوف يقع علي أرض هذاالموضع في مستقبل الايام من قتل ابن بنت خاتم الانبياء(ص)، وأنّ هذا الموضع سوف يكون من البقاع المقدّسة، لاأنّ سبب هذه التسمية بالضرورة هو أنّ قوماً من الاقوام كانوا قد اتخذوا هذاالموضع معبداً لهم. فتأمّل!.

[13] راجع: المؤرّخون والشعر: 46 / ترجمة توفيق إسكندر إلي العربية.

[14] ميزاً لها عن نينوي الشمالية، إحدي عواصم الدولة الاشورية السامية ولاتزال أطلالها معروفة.

[15] راجع: موسوعة العتبات المقدّسة: 8 / قسم كربلاء / مقالة للدكتور مصطفي جواد بعنوان (كربلاء قديماً) ص 9 15.

[16] راجع: كتاب (شهر حسين (ع): ص 10 / كما ذكر المؤلّف أيضاً أنّ إسم كربلاء يرجع إلي عصر الملك شابور ذي الاكتاف من ملوك الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة. 31م في ايران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلي عشرة ألوية، وكلّلواء إلي طسوج، وكلّ طسج إلي رساتيق، وكانت الارض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء.

[17] راجع: كتاب (شهر حسين (ع): ص 10 / كما ذكر المؤلّف أيضاً أنّ إسم كربلاء يرجع إلي عصر الملك شابور ذي الاكتاف من ملوك الفرس من الساسانيين الذي بويع سنة. 31م في ايران، وأنّهم قسّموا العراق بعد فتحها إلي عشرة ألوية، وكلّلواء إلي طسوج، وكلّ طسج إلي رساتيق، وكانت الارض الواقعة بين عين التمر والفُرات تُعدُّ اللواء العاشر، وكانت كربلاء أحد طسوج هذا اللواء.